د. سعد البازعي
“الجدة” مفردة مثقلة بالقلق، ليس في ذاتها بقدر ما هو في تاريخها، فيما اتضح لاحقاً، حين تبين أنها جاءت بديلاً لغيرها، أن الاختيار وقع عليها لتفادي مفردة “الحداثة” فلم يأت النص “حديثاً” وإنما “جديد”. هو تاريخ في مفردة، ثقافة بأكملها تحتشد بين أربعة حروف. كان النص جديداً ولكن المقصود أنه حديث، أنه يمثل الحداثة التي كانت في أتون المعركة، تحت قصف التشدد الديني ومخاوف المجتمع.
لكن مفردة “الجديد” كانت أيضاً اختياراً نقدياً موفقاً بقدر ما كان دقيقاً، لأن سؤال الحداثة ما انفك يطرح: ما المقصود بها، ماذا تعني؟ إلام ترمي؟ فكانت الجدة إجابة جاهزة وصحيحة وإن لم تحمل الدلالة كلها. حملت بعضها، وذلك البعض مهم ودقيق ورفيق بأهل النص الجديد. نعم كان “النص الجديد” جديداً وحديثاً، النص المطبوعة، والنص الشعري والقصصي والنقدي، لكن تفادي حداثته قال الكثير أيضاً.
واليوم إذ تعود “النص الجديد” فإن السؤال ينطرح مرة أخرى؟ كيف “يعود” الجديد؟ ما يعود عادة هو القديم. ثم ألا يتقادم الجديد؟ بل إن ذلك ما يحدث فعلاً. يعود القديم ولكنه يتجدد، يعود فينيقاً تنفخ فيه الروح إرادة التجدد وإصرار الفكر والرؤية الخلاقة على الانبعاث. نقول هذا ونحن في مفتتح عودة لمجلة عرفها المشهد الثقافي شعلة للجديد، مجلة تعود في صورتها الجديدة لتعاود ما فعلته حين انطلقت للمرة الأولى وبعد أن توقفت قبل ما يقارب العقدين، تعود مثقلة بتاريخها ومتخففة منه في الوقت نفسه، مثقلة بتاريخها الذي تعتز به ومتخففة منه بما في معاودة التدشين من روح مغايرة. فالمجلة تدرك أنها تعود إلى عالم يحمل الحداثة عنواناً كبيراً ولافتة عريضة. فهي الآن جديدة بمعنى التجديد الحداثي، التجديد بمعنى الانفتاح على العالم، والتجديد بمعنى الدفع بالحراك الأدبي والنقدي إلى تخوم أخرى هي علامات المرحلة التي تحفنا اليوم بأعلام الاختلاف والانتقال من عهد إلى عهد.
تعود المجلة ويعود معها “النص” بما هو نقطة اختلاف رئيسة زجت بها المجلة في ساحة لم تعتد أن تتوارى حدود الشكل الأدبي التقليدية لتنفتح الكتابة على كل إبداع بغض النظر عن انتمائه إلى عرق شعري أو طائفة سردية أو مذهب آخر من مذاهب الإنشاء المألوف. لقد كان في تبني مفهوم النص جِدّة أخرى أو وجهة مغايرة من وجهات الاختلاف. فهو نص وهو جديد، وهذان المفهومان هما ما تسعى المجلة لاستعادته بعودتها، بل هو ما يبرر عودتها.
ما لن تستطيع المجلة استعادته هو تقاسيم الربان الذي رحل قبل سنوات قلائل. ليس بإمكان المجلة أن تستعيد نشاط علي الدميني وتجدده الدائم، لكنها تحاول تمثل تلك الروح التي قاد بها علي النص والجدة معاً في أوائل التسعينيات. فهو حاضر بروحه، بالشعلة التي أوقد، والوهج الذي اتقد. هو حاضر ومتجدد حضور النصوص التي كتب وتجدد النصوص التي دعا إلى كتابتها ونشرها. نستعيد بعودة النص الجديد ذلك الوهج الذي يضيء ملامح علي ويؤكد ريادته لمشروع لم ننس أهميته ولا حاجتنا إليه.
ما نأمله هو أن المسؤولية المتمثلة باستعادة المجلة التي حملت شعلة التحديث في مرحلة حاسمة من تاريخنا الأدبي ستقودنا في مرحلة مختلفة وعهد جديد إلى تخوم أخرى بعد أن تغير الكثير إنسانياً وثقافياً وإبداعياً. سيقرأ “النص الجديد” اليوم وسينشر فيها – كما نأمل – جيل لم يكتب نصوص التسعينيات وإن التقى ببعض من صدرت تلك النصوص عنهم. فالمسعى اليوم هو أن يكون “النص الجديد” جديداً بقدر جدة الجيل الجديد من قاصين ونقاد وشعراء وكتاب للنصوص العابرة لحدود الأنواع، فأهلا بهم وبكل من يفتح ذراعيه لتجدد الحياة وانبعاث “النص الجديد”، لكن دون قلق إلا قلق المعرفة، أو خوف سوى خوف المبدع من التنازل عن سماوات التميز التي تدعوه باستمرار إلى كل ما يتحقق به الإبداع.
3 تعليقات
العودة للقديم (الجديد) انبعاث لتاريخ ومشروع مضى بما يتناسب المشهد الثقافي القائم.
أشد على يدكم وأبارك إعادة إصدار المجلة بطاقم من الجيل (الجديد) وسيكون لها وقع على الساحة وستثري الحراك وتدفعه إلى الأمام.
أجمل التحيات وبعد
١) استسمح في المرور عبر هذا المقال لتمرير رسالتي إلى حضرة رئيس التحرير؛
٢) وذلك لأن الموقع لا يتضمن عنوانا يمكن مراسلته؛
٣) ينبغي أن يتضمن الموقع عنوان مراسلة المجلة والسيد رئيس التحرير؛
٤) المجلة مجلتكم فكيف ينبغي المرور عبر موقع آخر للاطلاع على أرشيف المجلة؛
٥) المجلة إلكترونية، ما يعني توفير ب د ف كل عدد، كما هو معمول به في مجلات أخرى كالعربية والجوبة…
شكرا ودام لكم التوفيق.
عبدالرحيم
عزيزي نورالدين، يمكنك الدخول الى صفحة عن النص الجديد – فريق العمل حيث تجد عنوان البريد الالكتروني للمراسلة في اسفل الصفحة.