حاوره: علاء برنجي

كلُّ من قرأ ولو طرفاً عن مشروع الحداثة السعوديّ الموءود في ثمانينيّات القرن المنصرم، لابد وأن يجد اسم محاورنا حاضرا في جميع التفاصيل، فهو واحد من جيل روّاد الأدب الحداثيّ في السعودية، وهو أيضا واحد من أقطاب الصحافة، وأحد أهمّ الكتّاب فيها، إنه سعيد السريحي، “الدكتور” الأكاديمي، الذي منعه الناقمون على مشروعه من نيل “الورقة المختومة” في الجامعة التي حاضر فيها ثمانية عشر عاماً، فخلع عليه محبّوه من كل مكان ألقاب محبّة وتبجيل كثيرة، ينتقون منها ما يشاؤون حين الحديث عنه أو الإشارة إليه.

لابد، وهذا الحال، أن يكون اسم السريحي متصدّرا في هيئة تحرير “النص الجديد”، حين أبصر عددُها الأول النور في عام ١٩٩٣، كان حاضرا كأحد الكوادر التأسيسية للمجلة، وعضواً في مجلسها الاستشاريّ. كانت “النص الجديد” حينئذ متنفّس المبدعين السعوديين من الشعراء والأدباء وأرباب الحرْف، ومعقد آمالهم في أن تكون منبراً حراً لأقلامهم ومحضناً لإبداعاتهم التي تأنف التقليد والاجترار.

ضيف حوارنا في هذا العدد هو واحد ممن كان شاهداً على فترة انطلاقة “النص الجديد” في نسختها الأولى، بمبادرة فردية محدودة الموارد، وفي حقبة توجّس وارتياب من مشروعها الأدبي، وهو شاهد اليوم على إعادة إحيائها بروح حديثة متجددة، وشكل عصريّ متألق.

شغف البدايات

  • كنت واحدا من المؤسسين وعضوا في هيئة تحرير مجلة النص الجديد ضمن فريق المستشارين، حدثنا عن شغف البدايات، وما الذي ما يزال عالقاً في ذاكرتك من قصص إطلاق المجلة في تسعينيات القرن الماضي.

أود في البدء أن أُعيد صدور مجلة “النص الجديد” إلى الحقبة الزمنية التي صدرت فيها، وعلى نحو أدق إلى سياقين حددا هيئة تحرير المجلة إشرافا وتحريرا وكتابة واستكتابا، كما حددا طبيعة ما تعنى به من دراسات ونصوص إبداعية وحوارات، وقبل ذلك حددا أهداف المجلة وآليات عملها.

يتصل السياق الأول بحركة الحداثة، التي كانت قد بلغت درجة من النضج المتمثل فيما ينتجه الأدباء المنتمون إليها من نصوص إبداعية ودراسات نقدية، وما أصدروه ويصدرونه من دواوين شعرية وروايات ومجموعات قصصية وأبحاث ودراسات نقدية.

أما السياق الآخر فيتمثل في هيمنة التيار الصحوي المتشدد، إبّان تلك الفترة، على مفاصل المجتمع والمؤسسات، والحال سواءٌ في القطاعين الحكومي والخاص، حيث تمكن ذلك التيّار من الهيمنة المعنوية على كثير من المؤسسات الثقافية، ما دفع منابر مهمة مثل الصحف والمجلات والأندية الأدبية، التي كانت تناصر الحداثة وتدعم تيارها، إلى التلكّك أو التراجع عن هذا الدعم تخوّفا من سطوة التيار الديني المتشدد.

في معترك هذين السياقين، ظهر العدد الأول من مجلة النص الجديد وما تلاه من أعداد، ظهر باعتباره حاضنة لحركة ثقافية ناضجة تخلّت عنها المنابر الثقافية التي شهدت بداياتها واعتنت بتجاربها الأولى واحتفت بشعرائها وقصاصيها ونقادها حينما كانوا في منتصف الثمانينات، وكانوا محل ترحيب وحفاوة من الصحف والمجلات والأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون، ثم ما لبثوا أن وجدوا أنفسهم وقد تخلى عنهم الجميع، وبات المجتمع ينظر إليهم بعين الريبة، وباتت المنابر الثقافية تجد في إنتاجهم ما يشكّل خطرا عليها، وكل ذلك التوجّس والريبة نتيجة للخطاب الصحوي المتحامل والتحريضي الذي كان يمارس ضدّهم.

  • ما الدور الذي حملته المجلة على عاتقها والأثر الذي تركته لدى المثقفين في تلك الفترة؟

كانت مجلة النص الجديد الخندق الأخير الذي التجأ إليه أدباء الحداثة، يشرفون على إعدادها ويتولّون تحريرها، ويتابعون طباعتها، ويقفون على توزيعها، كانت مجلة النص الجديد شهقة البحار الأخيرة، كان صدورها انتصارا معنويّا للحداثة، وإعلاناً عن مقدرة أتباعها على تأسيس منبر خاص بهم يواصلون به مسيرتهم ويستكملون مشروعهم الذي انطلق أواخر السبعينات الميلادية، وتبلور خلال عقد الثمانينات.

 

بين الماضي وفكرة الحاضر

  • ما التحديات التي واجهت إصدار المجلة؟ وما ظروف توقفها؟

كانت المجلة مبادرة شخصية من أدباء يتوزعون بين شعراء وكتّاب قصة ونقّاد، وكانوا يدفعون ثمن طموحهم بتحمّل تكلفة إصدار المجلة وهموم توزيعها، ولم يجدوا من الدعم ما يمكن أن يعينهم على تحمل تلك الأعباء، وكانت في أنفسهم أنفة من أن يلتمسوا دعما من أي جهة، وربما كانوا على غير دراية بالطرق التي يلتمس من خلالها أصحاب المبادرات دعماً لمشاريعهم، ومما يجعل الأمر غاية في الصعوبة أن توزيع المجلة ومبيعاتها لم تكن لتوفر مردودا يشكّل دعماً ولو جزئيّاً أو يخفّف من أعباء التكلفة عمن تحمّلوا مسؤولية إصدارها، الذين سرعان ما وجدوا أنفسهم عاجزين عن الاستمرار، لا سيما في ظلّ التحدّيات والصعوبات التي واجهوها، ما تسبّب في توقّف المجلة بعد صدور عددها المزدوج التاسع والعاشر في يونيو من عام 2000.

  • كيف تلقيتم خبر دعم المجلة من قبل هيئة الأدب والنشر والترجمة ضمن مشروع دعم مجلات الآداب والفنون، وإعادة إصدارها تحت مظلة وزارة الثقافة؟

لا شك أن هذه مبادرة تشكر عليها هيئة الأدب والنشر والترجمة، ولهذه المبادرة قيمة رمزية، تتمثّل في الاعتراف بما قدّمه الجيل السابق من مشاريع كان لها الأثر الكبير في تأسيس ثقافتنا الوطنية، خاصة إذا ما نظرنا إلى إعادة إحياء مجلة “النص الجديد” في إطار المشروع المتكامل، الذي يضم إلى جانب هذه المجلة عددا من المجلات التأسيسية الأخرى التي لعبت دورا هاما في بلورة الثقافة الوطنية وتدعيم اتجاهاتها المختلفة.

  • باعتباركم واحداً من رموز الثقافة في المملكة العربية السعودية، ما الذي تتوقون إليه من إعادة إصدار المجلة بنسختها الحديثة؟ وما الأخطاء أو السلبيات التي تتمنون تلافيها؟

أهم ما ينبغي أن تحافظ عليه مجلة “النص الجديد” في نسختها الحديثة، هو أن تكون امتدادا واستكمالاً لمبادئ المسيرة الأولى، وأن تحرص على تحقيق الأهداف التي تم تحديدها في العدد الأول من النسخة الأولى، ذلك أن أي انحراف بها عن تلك المبادئ والأهداف سيكون بمثابة تشويه لتاريخها، وتنكّر لمسيرة وجهد تلك الثلة من الأدباء الذين كانت المجلة بالنسبة لهم حلما حرصوا على تحقيقه، وبذلوا جهدهم أن يكون ممثلا لطموحهم في كتابة نص جديد يتمظهر في الشعر والسرد، ويتكرّس قبل ذلك وبعد ذلك في الدراسات النقدية.

  • كيف تتوقعون تقبّل الساحة الثقافية للنسخة الحديثة من مجلة النص الجديد؟

مجلة “النص الجديد” تشكل جزءً من الضمير الأدبي، ولها في أنفس كتاب الحداثة من الجيل الجديد مكانة كبرى، فقد ضمت أعمال الكتّاب المؤسسين لحركة الحداثة السعودية، من شعراء وكتاب سرد ونقاد، وستظلّ محافظة على هذه المكانة، شريطة أن تكون المجلة في نسختها الجديدة وفيّة لمنطلقاتها الأولى، حريصة على تحقيق أهدافها المعلنة.

الواقع الثقافي

  • كيف تقرؤن الحراك الثقافي الحاصل في السعودية خصوصاً، والعالم العربي بوجه عام؟

لا يمكن قراءة الساحة الثقافية، سواء على المستوي المحلي أو المستوى العربي، خارج إطار ما تشهده هذه الساحة من تشظي لمفهوم الثقافة، وهو تشظي طال مفهوم وجوهر العمل الثقافي، وكذلك العاملين في حقله والمتابعين له، فضلا عن آليات العمل ومنابره وحاضناته، وإذا كان ثمة استمرار لبعض الفنون الأدبية، كالشعر والسرد، فإن أشكال هذه الفنون مسّها من التغيير الذي تكرّس عبر المنتجين لهذه الفنون وعبر الفئات التي تتلقاها.

الثقافة وما يمكن أن نطلق عليه الحراك الثقافي يمر بمرحلة من التغيير المتسارع الذي لا يمكن أن نتنبأ بمستقبله، في ظل هذا الوضع يكون بإمكاننا أن نشيد بشجاعة وتفاني من لا يزالون يؤمنون بالقيم الفنية للشعر والسرد والدرس النقدي، وأن ننظر إلى ما يقدمونه من إنتاج على مستوى الإبداع والتنظير باعتباره ضرباً من التحدي أو الوقوف في وجه العاصفة التي تهدد بغلبة الثقافة السائلة وسيطرة الروح الشعبوية على الثقافة.

  • ما هو تقييمكم لوضع المجلات الثقافية في السعودية وجدوى النشر الثقافي؟ وما تطلعاتكم كمثقفين؟

لا أعتقد أن للمجلات الثقافية حضوراً واضحاً في الساحة الثقافية، وبغروب شمس الأندية الأدبية غابت كذلك المجلات والدوريّات التي تصدرها تلك الأندية، سواء أكانت مجلات شاملة أم مجلات متخصصة في الشعر والسرد والنقد، ولذلك فإن الساحة الثقافية بحاجة ماسة للمجلات الأدبية والمجلات المتخصصة في مختلف الفنون الأدبية، والتي سوف تسهم بدورها في ضبط الساحة الثقافية والارتقاء بالإبداع والنقد المقدم فيها، وحمايته من أن يكون أسيرا لمواقع التواصل ونتاجا لما تتسم به من جماهرية وما تغري به من شعبوية، الساحة الثقافية بحاجة إلى المجلات التي تعيد للأدب وفنونه المختلفة الوهج الذي كان له خلال الثمانينات من القرن الماضي، وأن تكون مثيرة للحراك الثقافي المعزز للتطوير والتجديد في مختلف فنون الأدب.

تعليق واحد

اترك تعليقاً