"طبول الوادي" للروائي العماني محمود الرحبي - روايةُ الذات وتشابك المصائر بين مكانين

خالد بن صالح

في أخر إصداراته الروائية ينطلق الروائي العماني محمود الرحبي (1969) من أحداث يومية تبدو للوهلة الأولى غير مؤثرة، إذ تتراكمُ مشاعر الرفض والهروب من سلطة الأب لدى بطل الرواية “سالم”، وتصل إلى لحظة غضب عارمة جراء تمرّده ورفضه الالتزام بتعليمات أبيه، شيخِ قرية “وادي السحتن” في ثمانينيات القرن الماضي بسلطنة عمان، والذي يسعى ليورّثه مشيخته في القرية، وليحمل هذا الأخير بندقيته ويصوبها نحو “سالم” الذي يفلتُ بأعجوبة من لحظة موتٍ اعتقد أنها مؤكّدة حين مرَّت الرصاصة بجانبه وشعَرَ بهوائها الساخن.

الرواية الصادرة حديثاً عن محترف أوكسجين للنشر بأونتاريو، في 176 صفحة من القطع الوسط، تمزجُ بين رؤية الكاتب التوثيقية وخياله الروائي، من خلال مشاهدات وصور عن طبيعة المكان، القرية أولاً، ثمَّ ما يسميه إمبراطوريته الصغيرة وهي مدينة “وداي عدي” التي تحتضنها ثلاثة جبال، ولتكون لحظة الهروب تلك انطلاقة لاكتشاف حياة جديدة، بمصير تُقرع فيه طبول المجهول، ولكنها أيضاً طبول الألم والجوع والترقب، وأسئلةٍ تتراوح بين من أين جاء؟ وكيف سيثبت ذاته في مكان لا يعرف فيه أحداً؟

هي رحلة بديعة تبدأ بتفاصيل طفولته ورسم مشاهد حيّة للطبيعة والبيوت والشخصيات التي تتقاطع مصائرها وأحلامها البسيطة مع السعي اليومي لتحصيل لقمة العيش، لكنها شخصيات ثابتة مكانياً وزمانياً، تعيشُ في حلقة شبه مغلقة، ولا تنشد التغيير أو حتى تحاول ذلك، عكس “سالم” الذي وجدَ في طموحهِ للتغيير مساراً مختلفاً بالمضي قدماً في نحتِ أسئلة مغايرة، بعيداً عن مصير أن يصبح صورة مطابقة لأبيه.

في “وادي عدي” تبدأ معاناة من نوع آخر، تتصادم فيها القِيَم الموروثة عن القرية ومكان النشأة الأولى والعادات والتقاليد في تأصيل روائي يعقد مقارنات دون مغالاة أو أحكام مسبقة، ذلك أن شخصية البطل في رواية “طبول الوادي” تنطلق من محلّيتها بنبرة غاضبة وحس ناقد يتماهى مع ما هو إنساني، ولتُمسي الأحداث عبر فصول الكتاب التي جاءت كعناوين توثيقية، رحلةً للتغيير والاعتماد على الذات في اكتساب مهنة ومهارات جديدة لتأمين لقمة العيش، وكذا اكتشاف ما كان غامضاً وغير واضح في لعبة المرايا بين الأجيال، إذا تحتاج الحياة أحياناً إلى تكسير المرآة وإعادة تركيب شظاياها لتصبح الصورة مختلفة وربما واضحة أكثر.

“طبول الوادي” لـ محمود الرحبي، هي روايةٌ توثيقية تحتفي بالمكان، وترسم لوحة بانورامية يمتح فيها الكاتب من خياله وخبرته الأدبية ولغته المنحوتة من الأرض والحجر والشجر والطبيعة البشرية في تناغمها مع انتقالات حادة بين مكانين، ولتكون الرحلة التي ينطلق فيها “سالم” في سيارة عابرة تقلّه نحو المجهول، حاملاً سردياً لا يخلو من الأسئلة الوجودية والتناقضات والمصاعب التي تواجهه ويختبر فيها الصداقة والحب والوفاء والحنين، وليأتي السؤال الأخير حاسماً: هل فعلاً صوَّبَ الأبُ بندقيته نحو رأس ابنه؟

محمود الرحبي قاص وروائي وصحافي عُماني. من رواياته: “خريطة الحالم” (2010)، و”فراشات الروحاني” (2013)، و”أوراق الغريب” (2017)، و”المموه” (2023). ومن مجموعاته القصصية: “ساعة زوال” الفائزة بجائزة السلطان قابوس في دورتها الأولى (2012)، و”أرجوحة فوق زمنين” الحائزة على المركز الأول في جائزة دبي الثقافية (2009). كما وصلت مجموعتاه القصصيتان: “لم يكن ضحكاً فحسب”، و”صرخة مونش” إلى القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة العربية. تُرجمت قصصه إلى اللغات الإنجليزية والإسبانية والروسية والتركية.

اترك تعليقاً