جعفر حسن
في محاولة لفهم طبيعة السؤال، سنتوجه إلى كيفية تخلّق مفهوم (السرديات الكبرى)، وذلك من خلال علاقته بمفاهيم أخرى، ومن خلال العنوان نجد التساؤل حول انتهاء عهد السرديات الكبرى بـ )هل(، والتي تحتمل الإجابة بنعم وكذلك بلا، فكلمة (عهد) تشير إلى فعل التعهّد بمداومة محاولة التعرف على حال تلك السرديات الكبرى، من زمن ما إلى زمن أخر(1)، بمعنى هل لازالت السرديات الكبرى تفعل فعلها في المجتمع العربي أم توقفت، فإن كان الجواب بـ (نعم) تكون الإشارة إلى أن تلك السرديات لازالت مؤثرة في الحياة الاجتماعية من ناحية السلوك والطقوس الروحية والسلوكيات الحياتية، وما يتبعها من أسئلة يمكن إثارتها، مثل: هل مازالت قادرة على توجيه المنجز الروحي المتشكل في منتجات الأدب والفن على الرغم من التنوع الهائل والمتدرج، من حيث كون بعض تلك النصوص مع الوقت تشكل في ذاتها سردية كبرى أو صغرى جديدة، وبالتالي هل السرديات الكبرى ثابتة أم متغيرة عبر الزمن. أما إن كانت الإجابة بـ (لا)، فيجب التثبت من تلك الكيفيات التي قامت على جب السرديات الكبرى عن فعلها في كل المجتمعات العربية، التي تشترك في تلك السرديات، وبمواجهة كل الأسئلة التي تتناسل من فعل الجب.
وبينما تنتقل العبارة إلى كلمة السرديات التي تشير إلى جمع كلمة سرد وسردية، وبالتالي سرديات، على محمل الميزان الصرفي، أما السرد فيقوم في التوهم على أنه نقيض الشعر في ثقافتنا العربية، ولكن في النظرية السردية يعرف السرد بأنه “تشكيل عالم متماسك متخيل، تحاك ضمنه صور الذات عن ماضيها، وتندغم فيه أهواء، وتحيزات، وافتراضات تكتسب طبيعة البديهيات، ونزعات، وتكوينات عقائدية يصوغها الحاضر بتعقيداته، بقدر ما يصوغها الماضي بتجلياته وخفاياه. كما يصوغها، بقوة وفعالية خاصتين، فهم الحاضر للماضي وإنهاج تأويله. ومن هذا الخليط العجيب، تُنسج حكاية هي تاريخ الذات لنفسها وللعالم، تُمنح طبيعة الحقيقة التاريخية، وتمارس فعلها في نفوس الجماعة وتوجيه سلوكهم وتصورهم لأنفسهم وللآخرين، بوصفها حقيقة ثابتة تاريخيا. وتدخل في هذه الحكاية، أو السردية، مكوّنات الدين، واللغة، والعرق، والأساطير، والخبرة الشعبية، وكل ما تهتزّ له جوانب النفس المتخيلة”(2). وبالتالي السردية أكبر وأوسع من التصنيف الأدبي (شعرا ونثرا)، فيمكن للسردية أن تكون شفاهية كما هي كتابية، خارجة عن الإبداع الأدبي وداخلة فيه.كما أن هناك علم للسرد، وأول من تكلم عنه تدروف في كتابه (نحو حكايات الليالي العشر)، وهو علم النص السردي(3)، وهناك نظرية سردية جاءت ضمن تراث البنيوية الفرنسية، “وعلم السرد، أي علم النص السردي (../..) (الذي ينظر إلى النصوص بمعناها الواسع الماثل في كونها مادة تنتج معنى) باعتبارها طرائق محكومة بالقواعد يقوم فيها البشر بـ (إعادة) تشكيل عالمهم.”(4)، ويعمل على عزل المكونات اللازمة والاختيارية لتشكيل النص السردي كنمط، ويركز هذا العلم على اللسان في مقابل التركيز على الكلام. وبالتالي يمكننا إدراج كل أنواع الشعر وكل تجلّيات الأدب العربي تحته ومنها “الحكاية الخرافية، الحكاية الواقعية، الخبر، النادرة أو الملحة، السيرة، التاريخ، المحادثة، المناظرة، المنافرة، الأسطورة، المقامة، الخطابة، المثل، سجع الكهان، الحكمة، الرسالة، والمقالة.. إلخ”(5).
لمحة تاريخية
يبدو مصطلح السرديات الكبرى، مرتبط بحركة ما بعد الحداثة، والتي ظلت حتى الآن ملتبسة، وتقف على الضد من حركة الحداثة، السابقة لها، والتي اجتاحت ثقافات متعددة في أوربا وأمريكا وبعض بلاد الشرق الأقصى، واعتمدت على العقلانية التي اتسمت بنوع من الميكانيكية العلمية، وفصل الدين عن الدولة والديمقراطية، ويبدو أننا سنواجه بحدود المفاهيم التي سيتم النظر إليها على اعتبار أن ما يأتي يحوي في داخلة ما سبقه، كما يتقدم مفهوم النهضة ليسبق مفهوم الحداثة، ذلك أن عصر الأنوار كما نسميه، كان عصر النهضة لتغير كثيرا من المفاهيم التي كانت سائدة في (العصور الوسطى الأوربية).
ولعلنا ندرك أن هناك محاولة لإغفال تسمية عصور الظلام الأوربي، فتمت تسميت العصور بالعصور الوسطى، وتوسطها لجعلها تبدو كأنها تقف بين نهضتين، (يونانية ـ رومانية) والنهضة الحديثة (الأورو – أمريكية)، بينما يشير المصطلح إلى عصور الظلام، تلك العصور التي انتهت بانتصار البرجوازية، وانتصارها أدى إلى نهوض الصناعة، وتوسع الأسواق عبر العالم، وما صاحب ذلك من تغيرات في الفكر أدت إلى ما يعرف بعصر النهضة، ويبدو أن أول شرارات النهضة حدثت في إيطاليا، التي استدار فيها الناس إلى دراسة علوم وفلسفة اليونان القديمة، والتي نقلها إليهم العرب، وأضافوا إليها وطوروها ضمن حركة فكرية أدت إلى كسر أطر الثقافة الموروثة من العصور الوسطى، فأحدثت تغييرا في المعتقدات، والخروج من التفكير المحصور والجامد، إلى تمجيد الإنسان وفعله، ومن ثم انتقلت تلك المفاهيم إلى عموم أوروبا عبر السنوات.(6) ويمكن أن نقع في خلط ما بين التحديث والحداثة في وطننا العربي، فهناك من يرى أننا لا نملك حداثة أدبية (7).
بينما شكلت الحداثة حركة شاملة جاءت لتتجاوز عصر النهضة، منذ العقد الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، على الرغم من عبورها بشحنة كبيرة مما أنتجته عصور النهضة، وباتت الحداثة هي التعبير عن مجمل التغيرات التي طرأت على الفرد والمجتمع ضمن أفق الديمقراطية، “ونادت بضرورة إعادة تفسير الدين وقراءة النصوص الدينية في ضوء المعطيات العلمية والتاريخية والسيكولوجية والفلسفية التي وفرها القرن التاسع عشر”(8).
وتبدو المسألة بالنسبة للحداثة أكثر غموضا في جوانب الفن والمعمار.. إلخ(9) ويمكن تلمّس التعبير عن ذلك في الفن الذي ولدته الفوضى بعد الحرب الكونية الأولى، وما تبعها من إقرار حقوق الإنسان بعدما مرت على العالم مآسي حربين طاحنتين، وظهرت فيها الحركات النسوية، وأنساق من التفكير الفلسفي الذي عالج في الثقافة المشتركات التي أدت إلى وصول الإنسان في دول مختلفة لتحقيق الوحدة بين دول متباينة في السوق الأوربية المشتركة، ويرجع البعض الحداثة إلى نيتشه الفيلسوف (1844-1900). وإذا ما نظرنا بعين ما بعد الحداثة للحداثة، فيمكن القول إن الحداثة قامت على مجموعة سرديات كبرى شكلتها كتابات كل من (غوته، ماركس، بودليرئ، ودوستويوفسكي، وبيلي، وآخرون)(10).
ما بعد الحداثة
ومن الغريب أن يعيد البعض ما بعد الحداثة إلى الفيلسوف الألماني نيتشه نفسه، وذلك لكتاباته التقويضية في (ما وراء الخير والشر 1887م)(11)، و(جينالوجيا الأخلاق 1887)(12) و(أفول الأصنام 1888م)(13) وغيرها من الكتابات، التي جاءت خليطا عجيبا من الآراء، حاول فيها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من القيم الروحية، بعد تدمير القيم المسيحية والتخلي عنها، عبر ما رآه من كون ما يفسر القوة هو الإفراط في استخدام القوة، ومنها ولدت فيما بعد فكرة الإنسان الفائق (14)، وهو صاحب فكرة العود الأبدي، وقد أثرت أعماله على مجمل الحياة السياسية والروحية، وعملت الثقافات الغربية على إعادته، ورفعت من مكانته، فكانت ما بعد الحداثة عبارة عن “موجة غضب عارم ضد الإنسانوية وتراث التنوير وتجسد ذلك في إدانة عارمة للعقل المجرد وكره عميق لأي مشروع يستهدف تحرير الإنسان عبر تحريك قوى التكنولوجيا والعلم والعقل”(15).
ويقوم في الذهن أن الحداثة أخلت مكانها لما بعد الحداثة، وذلك لأسباب منها تخليها عن ماضيها العام والخاص، وعن كل نظام اجتماعي تبنته، فسرعة الحركة والصيرورة أدت إلى صعوبات لحفظ حس تاريخي مستدام، وبالتالي إن كان هناك تسليم بالحس التاريخي فهو الكامن في المعنى الذي ندركه داخل دوامة التغيير(16)، ويرى البعض أن ما بعد الحداثة تمثل انغماسا في الذاتانية بوصفها تكفر عن خطايا الكولونيالية(17)، “إلا أنه يمكن القول أن هناك في قطاع مهم من ثقافتنا تحولا ملحوظا في صياغات المعنى والممارسات والخطاب، تحولا يكفي ربما لبلورة سلسلة من القضايا والتجارب والفرضيات ما بعد الحداثية وعلى نحو يمكن تمييزه من الحقبة السابقة”(18) يقصد بالطبع تلك التحولات في الثقافة الغربية، وتحول المجتمعات إلى ما بعد الصناعية ضمن وسائل تواصل جديدة، وفي هذه الأجواء ولد ما يعرف بالسرديات الكبرى، وتحول المفاهيم نحو السرديات الصغرى، ضمن حركة ذرائعية.
وتبدو من الناحية الفنية عن القصص والروايات التي كتبت في عصر ما بعد الحداثة بأنها تميل إلى الاعتراف بالأخر المختلف والاحتفاء به، ولا يقتصر الأمر على الفرد بل يشكل العوالم الأخرى، وتؤكد على تعددية العوالم المتشظية، والممكنة في فضاء مستحيل، والتي تتعايش معا بشكل متجاور داخل خيال ما بعد الحداثة أو تشكيل ما سماه مشيل فوكو اليوتوبيا غير المتجانسة، ولا تهتم الشخصيات في هذه السرديات الصغرى بالمسألة المركزية، ولا بكيفية حلها بل تركز على نوعية العالم الذي نحياه، وما العمل حياله، ومن الذي سيقوم بذلك العمل.
ما هي السردية الكبرى
والسرديات الكبرى مصطلح مترجم عن الفرنسية، جاء به الفيلسوف جان فرنسوا لتوار في عام 1984م (19)، وقد شاب ترجمة المصطلح في ذاته مجموعة من الاعتراضات الضمنية، بينما يظل غامضا نوعا ما على غير المتخصص، ويبدو أنه استقر نسبيا في ثقافتنا العربية باعتباره مفهوما يشير إلى (السرديات الكبرى)، وهناك من فهم المصطلح على أنه يشمل ذلك النسق الفكري لأمة من الأمم، والذي به تتمكن ثقافتها من إيجاد يقين ما، ترتكز عليه المواقف الحياتية لتلك الأمة.
ومثلما وضع لتوار السرديات الصغرى المعاصرة في مقابل السرديات (الكبرى)، يمكننا من تصور سرديات متوسطة في ثقافتنا، على اعتبار أن هناك من يشير إلى أن ثقافتنا تقوم على تمكنها من تثبيت وسطيتها التي ترجع إلى الفكرة الأفلاطونية عن أن الفضيلة هي وسط بين رذيلتين، وكذلك الفكرة الجيدة هي فكرة وسيطة بين فكرتين متطرّفتين، على الرغم من النقد الشديد الذي وجه لفكرة الوسطية عبر تاريخ الأفكار.
طرح ليوتار، ومع صدور كتابه الأكثر شهرة «حالة ما بعد الحداثة (The Postmoderne Condition) عام 1979م، مقولته حول السرديات الكبرى والتي هي “ذلك النمط من الخطابات التي تتمركز حول افتراضاتها المسبقة ولا تسمح بالتعددية والاختلاف حتى مع تنوع السياقات الاجتماعية والثقافية، فضلاً عن أنها تنكر إمكانية قيام أي نوع من أنواع المعرفة أو الحقيقة خارجها وتقاوم أي محاولة للتغيير أو النقد أو المراجعة. تقف تلك الخطابات أو السرديات الكبرى خارج الزمن ولا تسمح بالشك في مصداقيتها وتصر على أنها تحمل في داخلها تصورات شمولية للمجتمع والثقافة والتاريخ والكون. ودائما ما تكون السرديات الكبرى ذات طبيعة سلطوية وإقصائية تمارس التهميش ضد كل أنواع الخطابات الأخرى الممكنة”(20).
وبالتالي يشطب ليوتار إمكانية تغيير السرديات الكبرى أو الإضافة أو التعديل عليها، وربما يفسر ذلك ما يقوم في عالمنا العربي، والذي حاول فيه بعض رجال الدين وغيرهم إجراء إصلاحات في الماضي والحاضر من داخل الأزهر ومن خارجه، عبر عمليات معقدة، كانت تواجه مباشرة مع ما تبيحه السرديات الكبرى من إمكانيات اجتماعية للقائمين على خدمتها بالتحريض من على المنابر أو من خلال قانون الحسبة، وعلى الرغم من أن القانون الجنائي في العالم العربي يميل إلى دمج النصوص الدنيوية، ولكنه أيضا يعطي مساحة للسرديات الكبرى بأن تؤثر على طبيعة تلك القوانين المعيارية، وليس أدل على ذلك مما تعرض له نصر حامد أبو زيد وخليل عبد الكريم القادمان من بطن المؤسسة وبواسطة القانون وهما يتكلمان عن النص الثالث في بناء التاريخ وإعادة الاعتبار لقوانين المنطق في التفسير فقط، ولم يلمسا في المدونات الكبرى العربية لا (القرآن ولا الأحاديث)، بينما شكل اغتيال كل من حسين مروة وفرج فودة من خارج قوى الإسلام السياسي ردة فعل عنيفة، وهناك قائمة طويلة لمن تعرض لقانون الحسبة من أدباء وكتاب وفنانين.
وأما المخرج في التساؤل عن البدائل في ظل غياب المرجعيات المعياريّة لإطلاق أحكام القيمة على القضايا، ليعقد ليوتار أهمّية على فلسفة «الفعل» المرحليّ، لإطلاق الحكم القيمي المؤقت على كل حالة على حدة باعتبارها حالة فريدة يتم التصدي لها، مستنبطًا مفهوم «الحدث» الذي يرصد قضايا الواقع ضمن اللحظة المعيشة، فيطرح إزاء (السرديات الكبرى) مفهوم (السرديات الصغرى) وذلك ضمن اعتباره أن (السرديات الكبرى) ليست إلا لعبًا لغويًا مضلّلًا، وقوة خارجيّة خارقة تفسّر وقوع الأحداث الكبرى في تاريخ البشريّة، لعجز عن تأويل راهنيّة الحدث(21).
وتتميز السرديات الكبرى بمجموعة من الصفات أبرزها:
- أنها قادرة على التسلل إلى الوعي الثقافي الجمعي، لتصبح عبر سلسلة من التراكمات أشبه بالمعرفة القبلية، التي توجه وتقود الوعي الثقافي والحضاري لأمة ما.
- أنها الصورة النمطية Stéréotype التي يتم محاولة ترسيخها حول بعض الشعوب والمجتمعات والحضارات والثقافات والأديان أيضا، أقصد ما يشاع أو يروَّج له عن: تخلّف الأفريقي، أو تطور الأوروبي، أو إرهابية المسلم، أو تسامح الأبيض.. إلخ، ومثلها في ذلك مثل البديهيات التي يتم تداولها وتسويقها حول روحانية الشرق ومادية الغرب.
ويبدو بهذا الاعتبار أن السرديات الكبرى مازالت فاعلة في مجتمعاتنا العربية، ذلك أن هناك آلة هائلة جبارة من دوائر الإعلام للدول المستعمرة وذات المصلحة في بلاد العرب، تبث تلك الدعايات وإن خرج جانب من العلماء المستعربين لإنصاف الشعوب العربية، ولكن الغالبية تعتمد على تركيز النظرة الدونية للذات، وتمجيد الأحمر وإجزال العطاء له على الرغم من وجود خبرات تهاجر من بلادنا لتبحث عن مكان صالح للحياة، ويبدو أن عندنا سرديات أخرى تقول بشكل مضاد أن الأوربي عديم الأخلاق، وهي سردية غير دقيقة عبر عوالم الثقافات الغالبة، فتضج أمريكا بالمؤمنين المسيحيين… الخ، ويبدو أننا نتأثر أيضا بالإعلام الموجه لعالمنا الذي يصوّر الانحلال الأخلاقي الجنسي، ويمجّد المثلية الجنسية، فتجد بعض المنتجين للمسلسلات يصرّون على إبراز المثلية الجنسية، وذلك في محاولة لهدم المرجعيات الكبرى.
- إن السرديات الكبرى هي تنميط لصورة الشعوب الأصلية وربط وجودها بلحظة اكتشافها على يد المغامر أو المكتشف الأوروبي، وهي التمويه الذي عمد الاستعمار إلى ممارسته قرونا طويلة من أجل ترسيخ صورة محددة الملامح لواقع متخيّل من صنعه الخاص وحده، بحيث يخدم توجّهاته في الحصول على كل ما يريد من وسائل مادية (كالسلاح، وكنوز العالم الجديد، والطريق إلى التوابل أو الحرير، والتبشير)، بهدف أن تسهم مثل هذه الصورة في تعزيز استراتيجيات السيطرة والهيمنة على الآخر.
تبدو السرديات الكبرى هنا على أنها خارج دائرة المصالح. إن العالم اليوم مترابط بشكل لم يسبق له مثيل ضمن أطر العولمة التي طورت سلاسل الإمداد، والتي منعت المجاعات في بعض البلدان، بينما تركت بلدان أخرى تغوص في مشكلاتها حد المجاعة، وما يتشكل من ظاهر الأمر أنه سوء إدارة لموارد بلد غني مثل السودان مثلا، ولكن علينا أن نتنبه بأن الاستعمار يوجد فئات مجتمعية ترتبط مصالحهم بمصالح الدولة المستعمرة، وهم من يضمن تلك المصالح المشتركة بعد الاستقلال، فتضل تلك السرديات الكبرى تشتغل على مستويين أحدهما في تلك الفئات وعلى المستوى الشعبي أيضا، وتبدو تلك الأخيرة صرخة مرعوب يرى إلى العالم وهو يتغير، وبلادهم تفقد مركزيّتها التي لم يكن أحد ينازعهم فيها.
- السرديات الكبرى تمثل المعرفة والمفاهيم المتشكلة، التي تعكس وعي المجتمع للواقع. إنها التصور الذي يحدد مسار الواقع، والرؤى التي تقوم على توجيه مسار الوعي، إنه الوعي الأيديولوجي الذي يصبغ ثقافة مجتمع ما، ويحدد الموجهات التاريخية فيه.(21)
وتبدو المسألة وكأنها تتعلق بقدرة الإنسان في دول المركز، وتصورهم على أنهم الوحيدين القادرين على خلق سرديات كبرى وترويجها، وكأن السردية الكبرى رغم النقد الموجه لها، تتحرك باتجاه واحد من الغالب إلى المغلوب، ولعلها تكون مسألة فيها نوع من العنصرية الفوقية للعرق الأبيض ضد بقية الناس على المعمورة.
1- لسان العرب، مادة عهد
2- إدوارد سعيد وترجمة كمال أبو ديب: الثقافة والامبريالية، دار الآداب، بيروت، ط 1، 1997م. صص 16- 17.
3- رامان سلدرن وآخرون:من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية، المشروع القومي للترجمة، م 8، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2006م، صفحة 182.
4- المصدر السابق نفس المعطيات.
5- جعفر حسن: تمنع الغابة الطرية، المؤسسة العربية للدارسات والنشر،بيروت، ط1، 2005م. صفحة 231.
6- الموسوعة العربية العالمية: مادة عصر النهضة.
7- محمد بنيس : الحداثة المعطوبة، دار توبيقال للنشر، تونس، ط1، 2004م.
8- الموسوعة العربية العالمية مادة:الحداثة.
9- مالكم برادبري وآخرون وترجمة مؤيد حسن فوزي، دار المأمون للترجمة والنشر، ط1 ، بغداد، 1987م. صفحة 18-54.
10- ديفيد هرفي وترجمة محمد شيا: حالة ما بعد الحداثة، المنظمة العربية للترجمة ،ط1 ، بيروت ، 2005م. صفحة 28.
11- فريدريتش نيتشه وترجمة جيزيلا فالور حجار، دار الفارابي، بيروت، 2003م.
12- فريدريتش نيتشه وترجمة فتحي المسكيني، دار سناترا، تونس، ط1، 2010م.
13- فريدريتش نيتشه وترجمة حسان بورقية وآخرون، دار أفريقيا الشرق، ط1، 1996م.
14- فريدرتش نيتشه وترجمة ،
15- ديفيد هارفي وترجمة محمد شيا: حالة ما بعد الحداثة بحث في أصول التغيير الثقافي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1 ، بيروت، 2005م. 61
16- المرجع السابق. صفحة 29.
17- أرنست غيلنر وترجمة معين الإمام: ما بعد الحداثة والعقل والدين، دار المدى، بغداد، ط1، 2001م. صفحة 10.
18- ديفيد هارفي وترجمة محمد شيا: حالة ما بعد الحداثة بحث في أصول التغيير الثقافي،مرجع سابق. صفحة 63
19- ويكبيديا الموسوعة الحرة.
20- ويكبيديا، مادة (السرديات الكبرى)
21- صحيفة العرب: سمية عزام، مقال بعنوان ” من السرديات الكبرى إلى السرديات الصغرى: تصور مغاير”، 2/6/2019م. ص 10.
22- ويكبيديا مرجع سابق.