رواية "أغنية قادمة من الغيم" هل تعيد الجدل حول شاعرية اللغة في الرواية
فهيد العديم
بين الحين والآخر، يعود الجدل بين عدد من النقّاد والدارسين والروائيين حول الوظيفة التي تقوم بها شعرية اللغة في الرواية، فهناك أصحاب مواقف مؤيدة، وهناك أصحاب مواقف مناهضة، ولكل فريق حججه ومبرراته التي يؤمن بوجاهتها، فالمؤيدون يرونها (شعرية اللغة في الرواية) علامة دالة من علامات الرواية الحديثة، ويُرجع هؤلاء ظهور هذا الاتجاه في الكتابة الروائية إلى تأثير الرواية الجديدة التي ظهرت في فرنسا في ستينات القرن الماضي، مبررين استخدام هذه اللغة في الكتابة السردية بالتأ ثير السحري الذي تخلقه لدى القارئ، ولعل لناقد واللغوي رومان جاكوبسون لخصّ رؤية المؤيدين بقوله: (قصر الوظيفة الشعرية على الشعر وحده تبسيط خادع).
فيما يعتبر المعارضون لهذه اللغة أنها حيلة للتغطية على ضعف البنية السردية للرواية، وللتأثير على القارئ من خلال توظيف جماليات اللغة على حساب السرد وتطوره من خلال أحداث الرواية، ومبررات أخرى يبدو بعضها منطقياً، والبعض الآخر حادّاً وإقصائياً..
هذه المقدمة، التي تحاول أن تكون محايدة، هي مدخل لقراءة رواية (أغنية قادمة من الغيم) للروائي والشاعر عبدالعزيز النصافي، الصادرة حديثاً، حيت تعددت أشكال اللغة الشاعرية في الرواية، فإن كان (العنوان) هو العتبة الأولى لقراءة نص أو كتاب، فإننا أمام عنوان يوحي للوهلة الأولى أننا أمام ديوان شعر ، فـ”أغنية قادمة من الغيم” يفتح لك أبواب المجاز، وكأنك تدخل العتبة الأولى لحقل أنغام موسيقى، وكلما توغلت في مفازات الرواية وكهوفها تجد نفسك مشدوداً بلحن بدوي تارة، وبموسيقى داخلية للجُمل تارة أخرى، فهناك شاعرية في لغة السرد، وهناك شعر كُتب على لسان أشخاص الرواية (شعر عامّي)، وهناك استشهادات بأبيات أو قصائد من الشعر العربي على لسان شخصيات الرواية، وعمد الروائي إلى اقتباس أبيات لشعراء في بداية بعض فصول الرواية، وهذه الأخيرة تجعلني أتخلى قليلاً عن حيادي وأنضم لركب المناوئين، فأرى أنه أقرب للعمل الصحفي منه للسردي، ولم يضف شيئاً ذا أهمية للرواية، أما ما كتبه من شعر على لسان الشخصيات فهو من جهة شعر حقيقي، وقد اعتدنا من قبل أن من يكتب بهذا الأسلوب يكون روائياً يحاول توظيف الشعر في الرواية، ولهذا يأتي ما كتبته أقل من الناحية الفنية كشعر ، أما في هذه الرواية فأننا أمام شاعر حقيقي متمكن، فالقصائد أضافت الكثير لمعرفة تفاصيل حياة المجتمع في الرواية وقيمه وتفاصيل بيئته، وفي نفس الوقت لو قرأنا الشعر بمعزل عن الرواية لوجدناه ذا قيمة فنية عالية، ووفق الراوي كثيراً في استدعاء الشعر العربي والعالمي من خلال تعليق شخصيات الرواية على القصائد العامية بما يقابلها من الشعر في الثقافات الأخرى عربياً وعالمياً.
وفي النهاية، نحن أمام عمل أجزم أنه مغرٍ للمهتمين والنقاد في حرث أرضه، والغوص في (حَرّته) المعلقة بحبال الغيم، تتدلى أغنية لا تدري هل هي آتية من الغيم أم ذاهبة إليه، خاصة أنك تقف على الخط الفاصل بين هيجنة سُراة البدو، وبين أهازيج الحقول الصباحية، لنقول إننا ليس أمام رواية تدعوك لمائدة الغناء، بل تطعمك مقامات الموسيقى.
تعليق واحد
اصبح علم البلاغة اليوم نظرية في الأدب بعد ان كان نظرية في الإتصال …
اتفق معك تماما …